سورة الزمر - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الزمر)


        


{وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18)}
{الطاغوت} فعلوت من الطغيان كالملكوت والرحموت، إلا أن فيها قلباً بتقديم اللام على العين، أطلقت على الشيطان أو الشياطين، لكونها مصدراً وفيها مبالغات، وهي التسمية بالمصدر، كأن عين الشيطان طغيان، وأنّ البناء بناء مبالغة، فإنّ الرحموت: الرحمة الواسعة، والملكوت: الملك المبسوط، والقلب هو للاختصاص، إذ لا تطلق على غير الشيطان، والمراد بها هاهنا الجمع. وقرئ: {الطواغيت} {أَن يَعْبُدُوهَا} بدل من الطاغوت بدل الاشتمال {لَهُمُ البشرى} هي البشارة بالثواب، كقوله تعالى: {لَهُمُ البشرى فِي الحياة الدنيا وَفِى الأخرة} [يونس: 64] الله عزّ وجلّ يبشرهم بذلك في وحيه على ألسنة رسله، وتتلقاهم الملائكة عند حضور الموت مبشرين، وحين يحشرون. قال الله تعالى: {يَوْمَ تَرَى المؤمنين والمؤمنات يسعى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وبأيمانهم بُشْرَاكُمُ اليوم جنات} [الحديد: 12] وأراد بعباده {الذين يَسْتَمِعُونَ القول فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} الذين اجتنبوا وأنابوا لا غيرهم، وإنما أراد بهم أن يكونوا مع الاجتناب والإنابة على هذه الصفة، فوضع الظاهر موضع الضمير، وأراد أن يكونوا نقاداً في الدين يميزون بين الحسن والأحسن والفاضل والأفضل، فإذا اعترضهم أمران: واجب وندب، اختاروا الواجب، وكذلك المباح والندب، حرّاصاً على ما هو أقرب عند الله وأكثر ثواباً، ويدخل تحته المذاهب واختيار أثبتها على السبك وأقواها عند السبر، وأبينها دليلاً أو أمارة، وأن لا تكون في مذهبك، كما قال القائل:
وَلاَ تَكُنْ مِثْلَ عَيْرٍ قِيدَ فَانْقَادَا ***
يريد المقلد، وقيل: يستمعون القرآن وغيره فيتبعون القرآن. وقيل: يستمعون أوامر الله فيتبعون أحسنها، نحو: القصاص والعفو، والانتصار والإغضاء، والإبداء والإخفاء لقوله تعالى: {وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ للتقوى} [البقرة: 237]، {وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الفقراء فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} [البقرة: 271] وعن ابن عباس رضي الله عنهما: هو الرجل يجلس مع القوم فيسمع الحديث فيه محاسن ومساو، فيحدّث بأحسن ما سمع ويكف عما سواه. ومن الوقفة من يقف على قوله {فبشر عبادي}، ويبتدئ: {الذين يستمعون} يرفعه على الابتداء، وخبره {أولائك}.


{أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (19)}
أصل الكلام: أمّن حق عليه كلمة العذاب فأنت تنقذه، جملة شرطية دخل عليها همزة الإنكار والفاء فاء الجزاء، ثم دخلت الفاء التي في أوّلها للعطف على محذوف يدلّ عليه الخطاب، تقديره: أأنت مالك أمرهم، فمن حقّ عليه العذاب فأنت تنقذه، والهمزة الثانية هي الأولى، كرّرت لتوكيد معنى الإنكار والاستبعاد، ووضع {مَن فِي النار} موضع الضمير، فالآية على هذا جملة واحدة. ووجه آخر: وهو أن تكون الآية جملتين: أفمن حق عليه العذاب فأنت تخلّصه؟ {أفأنت تنقذ من في النار} وإنما جاز حذف: فأنت تخلصه؛ لأن {أَفَأَنتَ تُنقِذُ} يدل عليه: نزل استحقاقهم العذاب وهم في الدنيا منزلة دخولهم النار، حتى نزّل اجتهاد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكدّه نفسه في دعائهم إلى الإيمان في منزلة إنقاذهم من النار. وقوله: {أَفَأَنتَ تُنقِذُ} يفيد أنّ الله تعالى هو الذي يقدر على الإنقاذ من النار وحده، لا يقدر على ذلك أحد غيره، فكما لا تقدر أنت أن تنقد الداخل في النار من النار، لا تقدر أن تخلصه مما هو فيه من استحقاق العذاب بتحصيل الإيمان فيه.


{لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ (20)}
{غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ} علالي بعضها فوق بعض.
فإن قلت: ما معنى قوله: {مَّبْنِيَّةٌ}؟ قلت: معناه- والله أعلم-: أنها بنيت بناء المنازل التي على الأرض وسوّيت تسويتها {تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار} كما تجري تحت المنازل، من غير تفاوت بين العلوّ والسفل {وعدالله} مصدر مؤكد؛ لأنّ قوله لهم غرف في معنى؛ وعدهم الله ذلك {لا يخلف الله الميعاد}.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8